12 دمشق.. عبق التاريخ وقبلة المثقّفين والفنانيين - دار أمل للنشر دار أمل للنشر

دمشق.. عبق التاريخ وقبلة المثقّفين والفنانيين

دمشق

سامر عاطف

دمشقُ عاصمة سوريا ... تلكَ المدينةُ العريقةُ، والتي تعتبر من أجملُ بلدانِ العالمِ القديمِ والحديثِ، لقّبَها سكَّانُها

باسمِ"لؤلؤةُ الشرقِ"، لشدّةِ جمالِها وتفرّدِها. هي عاصمةُ الثقافةِ والعلومِ، تاريخُها عريقٌ يحمل زخم حضاراتٍ تعاقبَتْ على مدارِالآلافِ منَ السنينَ، وهيَ قبلة المثقّفينَ و الفنانيينَ العربِ ومحطُّ رحالِهم. عرفَها العالمُ كلُّهُ بمدينةِ الياسمينِ، نسبةً لعطرِها الذي فاحَ وذاع صيته في أرجاءَ العالمِ، تغنّى بها العربيُّ والأعجميُّ، واقتبسَ الشعراءُ منْها أشعاراً، فلمْ يزُرْها شاعرٌ أو أديبٌ إلَّا وسحرَتْهُ طبيعة دمشق، وهنا جادتْ قرائحُ الشعراءِ، وتغنَّوا بهذهِ المدينةِ الساحرة بقصائدَ تليقُ بعظمتِها وجمالِها.

 

حب دمشق تملك قلوب الشعراء ووجدانهم

 

لمْ تكنْ دمشقُ غريبةً عنِ العربِ المسلمينَ الفاتحينَ، ولمْ يكونوا غرباءَ عنْها، فهيَ المدينةُ التي يشكِّلُ العربُ جزءاً هامّاً منْ نسيجِها الدِّيموغرافي قبلَ الإسلامِ.

 

أبو نواس ودمشق

نرى الشاعر أبو نواس.. متغنيَّاً بالغوطةِ، تلك المنطقة الشاسعة والساحرة بطبيعتها الخضراء التي تبدو وكأنها حديقة دمشق الكبرى و أجملُ كنوزها، وفيها يتغنى أبو نواس قائلاً:  

"يؤمّمن أرضُ الغوطتَينِ، كأنّما لَها عندَ أهلِ الغوطتَينِ نذورٌ".

 

البحتري ومحاسن دمشق

و يكملُ البحتريّ.. واصفاً حبهُ لدمشقَ ومحاسنِها، كما يصفُ العاشقُ محاسنَ محبوبتِهِ و تفاصيلِها :

أمّا دمشقُ، فقدْ أبدتْ محاسنَها، وقدْ وفى لكَ مُطريها بما وعدا..

إذا أردتَ ملأتَ العينَ منْ بلدٍ مُستحسَنٍ و زمانٍ يشبهُ البلدا.

 

إيليا أبوماضي وغوطة دمشق

ويقول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي:

 حيِّ الشآمَ مُهنَّداً وكتاباً .. والغوطةَ الخضراءَ والمحرابا

 ليستْ قباباً ما رأيتُ وإنَّما .. عزمٌ تمرَّدَ، فاستطالَ قبابا.

 

لسان الدين الخطيب وحسن دمشق

لسانُ الدينِ بنُ الخطيبِ، الذي جاءَها منَ الأندلسِ، فبهرَهُ حسنُها، ورآها قطعةً منَ الجنَّةِ، قالَ عنْها:

بلدٌ تحفُّ بهِ الرِّياضُ كأنّهُ ... وجهٌ جميلٌ والرِّياضُ عِذارُهُ

وكأنّما واديه معصمُ غادةٍ ... ومنَ الجسورِ المُحكماتِ سوارُهُ


دمشق كما رأها المتنبي

قال المتنبي في وصف دمشق:

وَلَوْ كانَتْ دِمَشْقَ ثَنى عِنَاني.. لَبِيقُ الثّرْدِ صِينيُّ الجِفَانِ

مَنَازِلُ لمْ يَزَلْ منْهَا خَيَالٌ ...َيّعُني إلى النَّوْبَنْذَجَانِ

إذا غَنّى الحَمَامُ الوُرْقُ فيهَا ..أجَابَتْهُ أغَانيُّ القِيانِ

 

خير الدين الزركلي

أمّا خير الدّين الزّركلي الدمشقيّ الأصيلُ، ينحتُ قصيدتَهُ الأشهرَ"أنا منْ دمشقَ" فيقولُ :

قالتْ أَمِنْ بطماءَ مكةَ جارنا؟ قلتُ: الهناءُ لمنْ دعوتِ بجاركِ

أنا منْ دمشقَ و قدْ وُلدتُ بغيرِها و سكنتُ أُخرى، و الحنينُ لداركِ

 

عشق نزار

نزار قبّاني، الذي وصلتْ رائحةُ الشَّامِ بقصيدتِهِ بلادَ السّندِ والهندِ فيقولُ:

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ .. إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ

أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي..لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ

لو فتحـتُم شراييني بمديتكـمْ..سمعتمْ في دمي أصواتَ مَنْ راحوا

 

 

دمشق واحتفالية أحمد شوقي

احتفال وﺗﻜﺮﻳم لأحمد شوقي يوضح علاقة الحبّ الأبدية بين القاهرة و دمشق.

في ﻋﺎﻡِ 1925 ﺯﺍﺭَ ﺃﻣﻴﺮُ ﺍﻟﺸُّﻌﺮﺍﺀِ، ﺃﺣﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ ﺩﻣﺸﻖَ، ﻭﺑﺼﺤﺒﺘﻪِ المطربُ، ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ، ﻭﺃﻗﺎﻡَ ﻓﺨﺮﻱ بك ﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩﻱ، منْ وجهاءِ الشَّامِ ﺣﻔﻠﺔً ﺗﻜﺮﻳﻤﻴَّﺔً ﻟﺸﻮﻗﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪِ ﺑﺪﻣﺸﻖَ.

أحمد شوقي مُغرَم بجمال دمشق و أهلها، فيصفُ جمالَ الطبيعةِ و النَّاسَ فيها، مُعبّراً عنْ ولعِهِ بالسّحرِ الذي شاهدَهُ بدمشقَ، واصفاً إيّاها بجنّة اللهِ على الأرضِ :

آمنتُ باللهِ واستثنيتُ جنتَهُ دمشقَ روحٌ و جنّاتٌ و ريحانُ

لولا دمشقُ لما كانتْ طُليطلةُ ولا زهتْ ببني العبّاسِ بغدانُ

قُم ناجِ جلّقَ و أنشِدْ رسمَ مَنْ باتوا فقدْ مضى على الرسمِ أحداثٌ وأزمانُ

 

ويرحب الشّاعر السوري شفيق جبري بأمير الشّعراء أحمد شوقي بزيارته لدمشق 1925 دماؤُها فيقولُ :فداءٌ لأرضِ مصرَ إذا ما أصابَها مكروهٌ،

وإذا الشّدائدُ بالكنانةِ أحدقَتْ وثبَتْ دمشقُ فقطّعتْ أوصالَها

لو تشتكي دمشقُ أذىً بشمالِها بترتْ ربوعُ الغوطتَينِ شامَها

 

حافظ إبراهيم

وهذا ما قاله حافظ ابراهيم:

لمصرَ أم لربوعِ الشّامِ تنتسبُ هُنا العُلا وهناكَ المجدُ والحسبُ

ركنانِ للشرقِ لا زالتْ ربوعُها قلبُ الهلالِ عليها خافقٌ يجبُ

إذا ألمّتْ بوادي النِّيلِ نازلةٌ بانتْ لها راسياتُ الشّامِ تضطربُ


الشاعرالسوري شفيق جبري يرحب بصديقه حافظ ابراهيم شاعر النيل بزيارته لدمشق عام 1929 مؤكّداً منْ جديٍد على وحدةِ الآلامِ الدِّمشقيّةِ القاهريّةِ، فدموعُ النِّيلِ لمْ تنفصلْ عنْ دموعِ بردى يوماً :

إذا بكتْ جنباتُ النّيلِ منْ ألمٍ بكتْ دمشقُ بدمعٍ منهُ هتانٍ

أواصرٌ ببيانِ العربِ محكمةٌ النيلُ و الشامُ في الآلامِ صنوانٍ.

 

سعيد عقل

الشاعر اللبناني سعيد عقيل، الذي كتبَ لدمشقَ قصائدَ مغناةً، ترنَّمتْ بها الفنانةُ الكبيرةُ، فيروز، ومنْ إحداها، هذهِ الأبيات:

صرخَ الحنينُ إليكِ بي أقلعْ ونادتْني الرّياحُ

وعليكِ عيني يا دمشقُ فمنكِ ينهمرُ الصّباحُ

 

دمشق والشعراء الشباب

أما شاعر الشباب الشاعر المصري، أحمد رامي، فأبدعَ في وصفِها، فقالَ:

يا روضةً في ربوعِ الشامِ يانعةً ..ترنَّمَ الطَّيرُ فيها وهوَ نشوانُ

وللغيرِ على ترجيعِهِ نغمٌ.. منَ الخريرِ لهُ ضربٌ وأوزانٌ

 

محمود درويش ودمشق

والشاعر الفلسطينيّ، محمود درويش، الذي كتبَ لها قصائدَ ساحرةً منْها:

منَ الأزرقِ ابتدأَ البحرُ‏.. هذا النهارُ يعودُ منَ الأبيضِ السَّابقِ‏

الآنَ جئت منَ الأحمرِ اللاحقِ..‏ اغتسلي يا دمشقُ بلوني .. ليولدَ في الزمنِ العربيِّ نهارُ.

 

خليل مردم بك

خليل مردم بك الشاعر السوري، مؤلِّفُ النَّشيدُ الأغلى"حماةَ الديارِ" لمْ يكنْ ليستنكفَ عنْ وصفِ مدينتِهِ ومقدارِ حبِّهِ لَها، فكتبَ قصيدةً، وقالَ:

 كمْ في أزاهيرِ الرِّياضِ لناظرٍ .. منْ مقلةٍ وسنا وخدٍّ ناضرِ

 ماسَتْ أماليدُ الغصونِ بوشيها .. معطارةً وازّينتْ بِجواهرِ

 


وهكذا... كانتْ دمشقُ حاضرةً في قصائدَ كبارِ الشّعراءِ، فلمْ تتركْ شاعراً لهُ وزنُهُ، إلا وأخذتْ بلبِّهِ وألهمتْهُ قصائدَ غايةً في الرقَّةِ والعاطفةِ، تغنَّى بها الكثيرُ منَ الشعراءِ والأدباءِ منْ كلِّ دولِ الوطنِ العربيِّ، لتظلَّ هذهِ الكلماتُ خيرَ شاهدٍ عنْ جمالِ وسحرِ دمشقَ في قلوبِ أبناءِ الوطنِ العربيِّ.

المصادر:

وكالة الأنباء السورية سانا

موقع:     ireadhub.com

كتاب: دمشق في عيون الشعراء (المؤلف: محمّد قجّة)